
بين السطور هيثم الريح وزير الصحة.. والي الولاية: إذا عجزتم عن المواجهة فأعلنوا “منطقة كوارث” واتقوا الله في أطفالنا
في مشهد يختزل مفارقة مروعة، تتصدر “الحملات المشددة على الشقق المفروشة في الخرطوم” عناوين الأخبار الرسمية، بينما تختنق العاصمة في صمت تحت وطأة أزمات إنسانية وصحية لم تشهد لها مثيلاً. فبينما تُشن الحروب على مخالفات الشقق المفروشة، يموت المواطنون جراء مخالفات أكبر وأخطر: مخالفة الحق في الحياة، في الصحة، وفي ماء شرب نقي.
فأين كانت هذه “الشدة” وهذه “الحزم” عندما قُطعت المياه عن مواطن بسيط لم يقو على سداد فاتورته في ظل انقطاع للكهرباء يحول دون أدنى مقومات الحياة الكريمة؟ أليست هذه “شقة مفروشة” بكل معاني المعاناة التي يعيشها؟
وأين هي “الإجراءات المشددة” لمواجهة وباء “حمى الضنك” التي تفتك بالمواطنين، محولة بيوتهم إلى غرف عزاء ومواساة، ومستنزفة ما تبقى من قواهم وقوتهم؟
لقد أصبحت الولاية بؤرة للأمراض، والأنباء لا تحمل إلا تشخيصاً مرعباً: الأمراض سببها ذات المياه المقطوعة أو الملوثة التي تُضخ إلى البيوت. إنها حلقة مفرغة من المعاناة: لا ماء، لا كهرباء، ثم أمراض، ثم انعدام لأبسط أدوات العلاج.
لقد تحولت المحاليل الوريدية، التي هي شريان الحياة لمرضى الضنك، إلى سلعة في “سوق سوداء” يستفيد منها تجار الأزمات، بينما تقف الأسر عاجزة تتوسل بقطرات تعيد لأبنائها عافيتهم. هذا هو السوق الأسود الحقيقي الذي يجب ضربه، وليس سوقاً آخر.
السيد والي الخرطوم.. السيد وزير الصحة:
كفى تهرباً من المسؤولية. كفى خطابات تصف ولا تعالج. لقد سقط عشرات المواطنين ضحايا، والأطفال وكبار السن هم الأكثر تضرراً. إذا كنتم حقاً عاجزين عن إدارة هذه الكارثة – وهذا ما يبدو جلياً – فليكن لديكم ما يكفي من الشجاعة والأخلاق للإعلان عن ذلك.
نطالبكم، وبلهجة لا تقبل اللبس:
أعلنوا فوراً أن الخرطوم “منطقة كوارث”لتستقدموا المساعدات الدولية العاجلة قبل أن تتحول المأساة إلى إبادة.
علقوا الدراسة في جميع المدارس فوراً وحتى إشعار آخر. ما ذنب التلاميذ الصغار أن يُجبروا على الدراسة في “مختبرات” للأمراض والوباء؟ أليس الحفاظ على حياتهم أولى من الحفاظ على يوم دراسي يزيدهم ضعفاً؟
لقد آن الأوان لترفعوا شعار “إنقاذ ما يمكن إنقاذه”. توقفوا عن الحرب على جبهات خاطئة، وواجهوا الحرب الحقيقية التي تفتك بشعبكم. الشقق المفروشة لن تقتل أحداً، لكن المياه الملوثة والأمراض المنتشرة وانعدام العلاج ستفعل.
*آخر السطور*
الخرطوم تئن تحت وطأة الكارثة.. فهل من مغيث؟!